يسعى لتأصيل الدرس الحجاجي من منابعه الأصيلة، ابتداء من السفسطائيين، الذين وظفوا تقنيات الحجاج في خطبهم، لتحقيق غاياتهم التي بنوها على تحصيل المنفعة، دون مراعاة للقيم والمُثل، وقد نجم عن هذا التيار، ظهور تيار آخر من الفلاسفة، خالف أفكارهم وعارض توجهاتهم وتصدى لمقاصدهم، وقد حاول الفلاسفة استغلال الخطاب في تحقيق المصالح الحقيقية والمعتبرة، التي تراعي المُثل والقيم، فكانوا يتتبعون مجالسهم وتجمعاتهم، ويتقَصدون مناظرتهم أمام الملأ ليفضحوا مغالطاتهم، ويفضحوا تدليسهم حتى أفنوا خضراءهم، وليندثر بعدها تيار السفسطائيين، وتخلوَ الساحة بعدها للفلاسفة، الذين أشبعوا الدرس الحجاجي تنظيرا وتحليلا، وبلغوا من الدقة ما ينِمُ عن دراية ومعرفة كبيرة، خاصة ما قدمه الفيلسوف (أرسطو)، من خلال مجموعة الكتب التي ألفها والتي تعرف بـ (الأرغنون).

فقد جمع فيها تصورته للبلاغة والخطاب والحجاج، غير أنّ سقوط الحضارة اليونانية وما تبعه من ركود معرفي واقتصادي واجتماعي وفكري، أسهم في اندثار كثير من المطارحات والقضايا الفكرية والبلاغية واللغوية، وسادت حالة من الردة الفكرية، كادت البلاغة والخطاب والحجاج أن يفقد وظيفته الحقيقية وغايته السامية، بل أصبح الخطاب في العصور التي سبقت عصر النهضة، ميدانا للتحايل والمغالطة والكذب والتزويق والتنميق والتملق دون الالتفات للمعاني والقيم التي يحملها الخطاب، ولا عجب أن تخرج دعوات ومطارحات تدعوا للتخلص من الخطابة.

وكانت لهذه الوثبة المعرفية أثرا بالغا في التوجه نحو الحجاج، باعتباره تقنية خاصة ومتميزة لدراسة المنطق التشريعي والقضائي، فعمدا لوضع نظرية للحجاج، تُعنى بالجانب التقني للخطاب، ولا تقتصر على الجانب الإقناعي أو الجمال فقط، بل تمتد إلى فحص الآثار الناجمة عن نشأة الحجاج، أي من التشاوج الذي يحدث بين الخطابة والاستدلال. فقدما طرحا لنظرية الحجاج يشتمل على ضوابط وتقنيات وآليات، يخضع لها الخطاب، حتى يؤدي وظيفته الحجاجية القائمة على الاقتناع والتسليم، وفرّقا بين الحجاج وبين ما يتقاطع معه، كالبرهان والاستدلال والمنطق الصوري وغيره، ودرسا طبيعة الحجج التي يستند عليها الحجاج، كالحجج قائمة على الوصل وحجج قائمة على الفصل، وما يندرج تحت كل نوع من حجج تؤدي غرض الاقتناع.

يسعى لتأصيل الدرس الحجاجي من منابعه الأصيلة، ابتداء من السفسطائيين، الذين وظفوا تقنيات الحجاج في خطبهم، لتحقيق غاياتهم التي بنوها على تحصيل المنفعة، دون مراعاة للقيم والمُثل، وقد نجم عن هذا التيار، ظهور تيار آخر من الفلاسفة، خالف أفكارهم وعارض توجهاتهم وتصدى لمقاصدهم، وقد حاول الفلاسفة استغلال الخطاب في تحقيق المصالح الحقيقية والمعتبرة، التي تراعي المُثل والقيم، فكانوا يتتبعون مجالسهم وتجمعاتهم، ويتقَصدون مناظرتهم أمام الملأ ليفضحوا مغالطاتهم، ويفضحوا تدليسهم حتى أفنوا خضراءهم، وليندثر بعدها تيار السفسطائيين، وتخلوَ الساحة بعدها للفلاسفة، الذين أشبعوا الدرس الحجاجي تنظيرا وتحليلا، وبلغوا من الدقة ما ينِمُ عن دراية ومعرفة كبيرة، خاصة ما قدمه الفيلسوف (أرسطو)، من خلال مجموعة الكتب التي ألفها والتي تعرف بـ (الأرغنون).

فقد جمع فيها تصورته للبلاغة والخطاب والحجاج، غير أنّ سقوط الحضارة اليونانية وما تبعه من ركود معرفي واقتصادي واجتماعي وفكري، أسهم في اندثار كثير من المطارحات والقضايا الفكرية والبلاغية واللغوية، وسادت حالة من الردة الفكرية، كادت البلاغة والخطاب والحجاج أن يفقد وظيفته الحقيقية وغايته السامية، بل أصبح الخطاب في العصور التي سبقت عصر النهضة، ميدانا للتحايل والمغالطة والكذب والتزويق والتنميق والتملق دون الالتفات للمعاني والقيم التي يحملها الخطاب، ولا عجب أن تخرج دعوات ومطارحات تدعوا للتخلص من الخطابة.

وكانت لهذه الوثبة المعرفية أثرا بالغا في التوجه نحو الحجاج، باعتباره تقنية خاصة ومتميزة لدراسة المنطق التشريعي والقضائي، فعمدا لوضع نظرية للحجاج، تُعنى بالجانب التقني للخطاب، ولا تقتصر على الجانب الإقناعي أو الجمال فقط، بل تمتد إلى فحص الآثار الناجمة عن نشأة الحجاج، أي من التشاوج الذي يحدث بين الخطابة والاستدلال. فقدما طرحا لنظرية الحجاج يشتمل على ضوابط وتقنيات وآليات، يخضع لها الخطاب، حتى يؤدي وظيفته الحجاجية القائمة على الاقتناع والتسليم، وفرّقا بين الحجاج وبين ما يتقاطع معه، كالبرهان والاستدلال والمنطق الصوري وغيره، ودرسا طبيعة الحجج التي يستند عليها الحجاج، كالحجج قائمة على الوصل وحجج قائمة على الفصل، وما يندرج تحت كل نوع من حجج تؤدي غرض الاقتناع.