والبلاغة
الجديدة سعت في منتهاها، إلى وضع نظرية للحجاج، تُعنى بالجانب التقني للخطاب، ولا
تقتصر على الجانب الإقناعي أو الجمالي فقط، بل تمتد إلى فحص الآثار الناجمة عن
نشأت الحجاج، من التشاوج الذي يحدث بين الخطابة والاستدلال، وفي هذا يقول الناقد (صابر
الحباشة) مُعرفا للبلاغة الجديدة بقوله: (تُعرّف البلاغة الجديدة بأنها
نظرية الحجاج التي تهدف إلى دراسة التقنيات الخطابية، وتسعى إلى إثارة النفوس،
وكسب العقول عبر عرض الحجج، كما تهتم البلاغة الجديدة أيضا، بالشروط التي تسمح
للحجاج بأن ينشأ في الخطاب ثم يتطور، كما تفحص الآثار الناجمة عن ذلك التطور)
- Course creator, Teacher: Lakhdar Hamel
لقد كان للحالة الاجتماعية والسياسية والثقافية في العهد الإغريقي واليوناني، دورا كبيرا ومؤثرا في ظهور السفسطة وانتشارها، ولا غَروَ أنْ تنتشر السفسطة في مجتمع شهد تحولا، ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا في عهد الإمبراطور (بركليس Pericles 490- 429 ق.م) الذي تحول في عهده نظام الحكم، من الرأس مال الإقطاعي الأرستقراطي إلى ديمقراطي، وكان من تبعات هذا التحول، أن رُفعت دعاوى كثيرة لاسترداد الممتلكات التي نهبها الطاغيتان من صقلية (جيرون Gélon) و(هيرون Hieron) (485 ق.م)، من أجل إعمار (سيراكوزا Syracuse) وتمليك المرتزقة أراضيها، وبعد زوال حكمهما، أراد المتضررون العودة استرداد ممتلكاتهم، ولما كانت الحقوق الملكية غير موثقة، كان لزاما على صاحب الملك الأصلي، أن يترافع أمام هيئة شعبية من المحلفين حتى يسترجع أملاكه.
وكان ضروريا لإقناع تلك الهيئة، أن يتمتع المتقاضي بقدر كبير من الفصاحة والبيان، فالحقوق ملكية كانت متعلقة بالبلاغة والفصاحة، وبيان الحُجة عبر الخطابة. التي لم تكن ضرورية فقط لاسترجاع الحقوق، بل كانت عنصرا مهما لمكاسب أخرى، كاعتلاء المناصب السياسية والعسكرية في الدولة، التي كانت من حق المفوه، الذي يستطيع إقناع المجاميع (الجورا أو الأغورا l’agora). التي كانت تعتبر فضاء سياسيا يتمتع أفراده بالمساواة، والحرية في التعبير عن توجهاتهم وأرائهم الفكرية والسياسية والثقافية- Course creator, Teacher: Lakhdar Hamel